لم تَعد مساحة لُبنان تكفي حجم المشاكل والمصائب التي تظهر مع إشراقةِ كلّ شمسٍ. وبدل التركيز على هموم المواطن، ها هم أهل الساسة ينشغلون ويحرّكون الرأي العام حول مواضيع لن تغيّر بحلّ الأزمة في لبنان.
قبل أيّامٍ أصدر وزير الداخليّة بسّام المولوي بياناً يمنع فيه التجمّعات المروّجة للشذوذ الجنسي، بعد الشكاوى التي تلقّاها حول هذا الموضوع. لكنّ المفارقة أنّ القرار الرسميّ لم يكن وحده محرّكاً للرأي العام، بل تدخّل المرجعيات الدينيّة في بلد تشكّل فيه الطائفة أساس النظام كان أساس في انقسام المواقف.
فمفتي الجمهوريّة عبد اللّطيف دريان موقفه كموقف المفتي الجعفري الممتاز أحمد قبلان في إدانة التجمّعات المثليّة، وأتى متروبوليت بيروت للروم الارثوذكس المطران الياس عودة ليستشهد بالكتاب المقدّس بأنّ الرجل هو المكمّل الوحيد للمرأة، ليغيب موقف البطريرك الماروني حول هذا الموضوع، وينقسم سياسيو لبنان بين معارضٍ للتجمّعات ومحايدٍ بلا موقفٍ محدّد.
فالبعض هاجم المثليين بآيات دينيّة محذّراً من انتهاك القيم الأخلاقيّة مُتناسياً عبارة “لا تُدينوا كي لا تُدانوا”، والبعض الآخر تحفّظ عن إعطاء رأيه قد يكون خوفاً من ردّة فعل أنصاره. وبين مؤيّد ومعارض تواصلنا في FLASH LEBANON مع المحاميّة ليال صقر من سيدز للخدمات القانونيّة التي اعتبرت، إن الكتاب الصادر عن وزير الداخلية الذي يمنع فيه التجمعات التي تهدف إلى “ترويج الشذوذ الجنسي” هو غير قانوني لأسباب عدة.
مشيرة الى ان هذا الكتاب يتعارض مع الدستور اللبناني الذي يضمن الحريات العامة والعدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمييز أو تفضيل، وذلك بحسب الفقرة “ج”.
وأضافت صقر الدولة اللبنانية ملتزمة بالمواثيق الدولية التي تضمن حقوق الإنسان بالتساوي بين جميع الأفراد؛ وتضمن المواثيق الدولية، بما في ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وغيرهم؛ تمتّع جميع الأفراد بالحقوق الانسانية والحريات بالتساوي ودون تمييز بينهم على أي أساس، بما في ذلك التوجه الجنسي والهوية الجندرية.
واعتبرت صقر، بحسب مبدأ تسلسل القواعد القانونية أو هرميتها؛ يعلو تطبيق الدستور والمواثيق الدولية الملتزم فيها لبنان على القوانين الداخلية والقرارات والمراسيم والكتب الصادرة عن الهيئات المختصة، وهذا يعني بأن جميع القرارات التي تصدر عن أي ادارة عامة، بما في ذلك تلك التي تصدر عن الوزارات مثل وزارة الداخلية والبلديات، يجب أن لا تتعارض مع الدستور اللبناني والمواثيق الدولية.
وختمت صقر حول تأثير كتاب وزير الداخلية على الأماكن التي تُخصص عادةً لنشاطات أفراد مجتمع الميم عين، واعتبرت أنّ حصر كتاب وزير الداخلية بالنشاطات العلنية، بما في ذلك الإحتفالات واللقاءات والتجمعات، المتعلقة باحتفالات شهر الفخر (وهو شهر حزيران).
هنا نحن اليوم نقف مرّة جديدة في مجتمعنا الطائفيّ اللّبنانيّ مشتّتين بين عقائِدنا الدينيّة وبين إحترامنا لقيمة الإنسان وحريّته. عندما تدخّل الدين بالسياسة ،أنهكت الطائفيّة السياسيّة النظام اللّبناني وأتت المحاصصة لتُكلل فشل هذا التدخّل، وها هو اليوم الدين نفسه يتدخّل بحريّة الأفراد التي هي ضمن أطر دستوريّة قانونيّة.
لن يقبل أحد بأن تتغيّر قيمنا في لبنان، لكن بالمقابل علينا البحث عن سلام إجتماعيّ بين بعضنا البعض؛ فتنوّع طوائفنا يميّز مجتمعنا رغم فشل الطائفيّة السياسيّة. فلماذا لا يكون تقبّلنا جميعاً لحرّية المثليين الشخصيّة ضمن القواعد الأخلاقيّة ميزة جديدة تُجدد ديمقراطيّة نظامنا الديمقراطيّ؟

الصحافي: أنطوني الغبيرة

شاركها.

التعليقات مغلقة.