الأزمة الاقتصادية وتأثيرها المدمّر على الأطفال

يشهد لبنان واقعا مريرا للغاية مع تدهور الأوضاع المعيشية خلال الأعوام الماضية جرّاء انهيار قيمة العملة الوطنية، لتكون أضخم أزمة تشهدها البلاد منذ الاستقلال حتّى اليوم، فقد تفاقمت المصائب خصوصا بعد انتشار فيروس كورونا وتراجع الدعم الحكومي لأسعار السلع الأساسية كالقمح والأدوية والمحروقات، تزامنا مع الاحتقان السياسي والمذهبي. فقد شهدت البلاد على أحداث خطيرة بدءا من الاشتباكات بالأسلحة النارية مرورا بالزحمة  على محطات الوقود وفقدان رغيف الخبز وارتفاع سعره، وصولا إلى انقطاع الأدوية وحليب الأطفال أو إخفائها من قبل العديد من التجار في مستودعاتهم من أجل بيعها بأسعار أغلى..

لعلّ المتضرر الأكبر من كل هذه المصائب هم الأطفال، إذ أن لهذه الأزمات انعكاسات سلبية بشكل مباشر وغير مباشر على الأطفال، فبات عدد كبير من الأسر غير قادرة على توفير أساسيات العيش من مأكل ومشرب ودواء، وقلبت هذه الأزمات المتراكمة حياة الأطفال رأسا على عقب منذ بداية الأزمة الإقتصادية منذ ثلاثة أعوام، أي مع بداية انتشار فيروس كورونا مرورا بنكبة انفجار مرفأ بيروت وصولا إلى الأزمة الإقتصادية. الواقع للأطفال في لبنان أصبح مزريا فالبعض منهم اضطر على العمل لإعالة عائلاتهم، بدلا من أن يتابع دراسته، والبعض الآخر هاجر مع أهله أو حاول الهروب بطرق غير شرعية، ناهيك عن الذين خسروا بيوتهم وذويهم، من الطبيعي أن يكون للفقر عواقب وتأثيرات على الأطفال تدوم مدى الحياة ما يؤثر على قدرتهم على استخدام إمكاناتهم الكاملة وتحقيق أحلامهم، بعض التقارير أظهرت أن إدراك الأطفال لواقعهم ولحجم الأزمة الاقتصادية والحرمان الذي يعيشونه يدفعهم إلى الاستسلام مما يؤدي إلى تضاؤل الأمل لديهم بالمستقبل، ويجعلهم عرضة لأزمة صحية ونفسية تؤثّر على سياق حياتهم بالكامل، كذلك أظهر بحث قامت به منظمات متخصصة، أن الأسر تعاني من فقر متعدد الأبعاد بسبب انتشار البطالة، ما يعني أنّ مستويات الدخل ليست وحدها التي لم تعد تكفي بل  تلك الأسر لم تعد قادرة حتى على توفير احتياجات الأطفال الأساسية. فتبدّل أسلوب حياة العائلات، حتى أولائك الذين كانوا يعتبرون من الطبقة الوسطى أصبحوا غير قادرين على تسديد قيمة النفقات الأساسية لأنها تفوق قيمة دخلهم الشهري، وتشير الإحصاءات إلى أن نسبة كبيرة من الأطفال يذهبون إلى الفراش جائعين، ويشعر بعض الأطفال بأن مسؤولية أعضاء منزلهم أصبحت على عاتقهم، مع العلم أنهم لا يستطيعون الإعراب عما يشعرون به من إحباط وقلق، فبحسب تقرير لمنظمة اليونيسف فإن “84 في المئة من الأُسر ليس لديها ما يكفي من المال لتغطية الضروريات، و23 في المئة من الأطفال يذهبون إلى الفراش جائعين، كما أنّ 38 في المئة من الأُسر عمدت إلى تقليل الإنفاق على التعليم مقارنةً بـ26 في المئة في نيسان 2021. وصحّياً، خفّضت 60 في المئة من العائلات الإنفاق على العلاج الصحّي، مقارنةً بـ42 في المئة في العام 2021. و70 في المئة من الأًسر تُضطرّ إلى اقتراض المال لشراء الطّعام. كما أُفيد بأنّ 36 في المئة من مقدّمي الرعاية شعروا بأنّهم أقلّ تسامحاً وتقبّلاً مع الأطفال وعاملوهم بقسوة”.

من جهة أخرى يشهد لبنان ارتفاعا في أعمال العنف منذ بداية الانهيار الاقتصادي و أصبح الناس يتصارعون من أجل البحث عن كيفية البقاء على قيد الحياة، مما أثّر سلبا على الأطفال لأنهم عرضة للعنف الجسدي أيضا، فضلا عن التأثير النفسي الكبير عليهم نظرا للأوضاع المريرة التي يمر بها الأطفال، ولذلك تقوم بعض الجمعيات غير الحكومية والمنظمات بحملات متنوعة، بعضها تكون ثقافية تربوية لإنقاذ شريحة كبيرة من الفئات العمرية الصغيرة من الأمية، كما تقام حملات لجمع تبرعات لتأمين طعام ولباس وبعضها يصل لتأمين مآوى.
الأزمة الراهنة التي يشهدها لبنان هي الأخطر في تاريخه المعاصر لم تعرف بلاد الأرز مثيلا لها حتى أثناء الحرب الأهلية التي استمرت 15 عاما، حينها خلفت تلك الحرب جيلا متعبا منهكاً، لذلك يتوجب الوقوف إلى جانب الأطفال ودعمهم بشكل خاص لأنهم جيل المستقبل، تجنّبا لخلق أجيال مُدَمّرة أخرى!

شاركها.

التعليقات مغلقة.