خاص : FLASH LEBANON 

بعدما اخفق مجلس القضاء الأعلى في الاجتماع مجدداً للبحث في مصير ملف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت ووضع المحقق العدلي القاضي طارق البيطار.

ولم يكتمل أمس الاثنين  النصاب القانوني لجلسة المجلس بعد انسحاب رئيسه القاضي سهيل عبود، اعتراضاً على دعوة وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري الخوري، أعضاء المجلس، للانعقاد والبت بمصير البيطار، وحضر أربعة أعضاء من أصل الأعضاء السبعة الذين يتألف منهم المجلس حالياً، يتقدمهم النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، وانتظروا لمدة نصف ساعة في قاعة الاجتماع، لكن انسحاب الرئيس الأول وتغيب العضوين عفيف الحكيم وداني شبلي، أطاحا بالجلسة التي تقرر رفعها من دون تحديد موعد آخر.

وبالتالي يستمر الكباش  داخل رأس هرم السلطة القضائية و تعود الأمور إلى دائرة التصعيد، خصوصاً أن دائرة الخلاف بين القاضي عبود وزملائه تتسع يوماً بعد يوم

اليوم نعيش  سابقة قضائية لم يمر مثلها في تاريخ لبنان لا القديم ولا الحديث.
في الماضي لطالما اعتدنا على التغني والتفاخر بقضائنا العتيد الذي ما انفك على مدى العصور الغابرة يصدر اجتهادات مبدئية تحق الحق وتنصف المظلوم وتكون مضرب مثل في الدول العربية والاجنبية على حد سواء.
الا ان هذه المرة فضل القضاء اللبناني التصرف على عكس ما اعتاد، فبدلا من اصدار اجتهاد يحق الحق اصدر ما هو اشبه ببدعة جعلت منا اضحوكة امام ناظري العالم، فالتنازع الايجابي على الصلاحيات ما بين المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت وما بين النائب العام امام محكمة التمييز، تحول الى نزاع جدي بينهما، فما كان من الاخيرين الا ان يحولا عدلية بيروت من قصر تتربع على عرشه اسما مظاهر العدالة والحقوق، الى ساحة حرب مليئة بالمتاريس والمسلحين، فتحول اسم اكبر قاعات العدالة في الشرق من قاعة الخطى الضائعة، الى قاعة الحقوق الضائعة. فضاعت حقوق ضحايا الانفجار المشؤوم بين خطى المحقق العدلي وخطى مدعي عام التمييز.

كي لا نطيل الكلام والمقدمات سننتقل الى لب الموضوع الذي يتمحور حول نقاط اساسية ثلاث، الاولى تكمن في مدى قانونية طلبات الرد المتتالية والاحكام التي تصدر بنتيجتها، اما الثانية تنصب حول مدى قانونية دراسة المحقق العدلي التي عاد ليضع يده على النزاع بموجبها، اما النقطة الاخيرة فتدور حول دراسة النائب العام التمييزي التي اخلى سبيل الموقوفين بموجبها.
اولا: منذ ان وضع المحقق العدلي يده على الملف ولم يمر يوم على العدلية لم تتلقى شتى غرف محكمة التمييز طلابات رد بالجملة للمحقق لاسباب كلها مبنية على الكيدية وبهدف المماطلة وعرقلة التحقيقات ولاسباب من هنا وهناك لا اساس قانوني لها وان ادت لشيء فهي لا تؤدي سوى الى التعطيل في اظهار الحقيقة ونيل المجرم عقابه. فكان بالحري للمحاكم التي اقدمت على رد اول طلبات الرد ان تقوم بالحكم بالغرامة سندا للمواد ١٠ و١١ و٥٥١ ا.م.م. نظرا للتعسف باستعمال الحق بالتقاضي ورفع قيمة الغرامات لارقام تشكل بحد ذاتها رادعا ابديا يحول دون العودة الى ارتكاب هذا التصرف اللامسؤول والمهين لدماء وارواح الشهداء  .

ثانيا: من قراءة دراسة المحقق العدلي، نجد انه اثار بموجبها ثلاث نقاط جدل اساسية هي ما مدى جوازة رده، هل من داع لرفع الحصانة عن النواب والموظفين المراد ملاحقتهم امام المجلس العدلي، وهل يتمتع المحقق العدلي بصلاحيات النيابة العامة التمييزية لناحية سلطة الادعاء؟
انطلق المحقق العدلي في دراسته من ان المادة ٣٥٧ من قانون اصول المحاكمات الجزائية نصت على امكانية تنحي ودر اعضاء المجلي العدلي دون ان تأتي على ذكر المحقق العدلي، فاعتبر الاخير ان المشرع اعتبر من خلال هذا النص ان المحقق العدلي لا يخضع للرد معتبرا في هذا الخصوص ان القضية ترتبط بشخصه فاذا اقيل تنتهي القضية.
ولكن ومن مراجعة القواعد القانونية العامة والمبادئ القانونية، نجد انه وفي حال سكوت القانون الخاص (قانون اصول المحاكمات الجزائية) حول نقطة معينة لا بد لنا من العودة الى القانون العام اي قانون اصول المحاكمات المدنية الذي يرعى قواعد الشكل كافة في جميع النزاعات بما فيها الجزائية، والذي نص بدوره في المواد من ١٢٠ الى ١٣٠ منه، على امكانية رد القضاه عامة دون تفرقة بينهم ودون ان يأتي على ذكر اي استثناء، لذا فلا يمكن في هذه الحال اعتبار ان المحقق العدلي غير قابل للرد فقط لعدم ذكر اسمه صراحة في المواد التي تحدثة عن رد القضاة، فالنص جاء بصيغة عامة شاملة، اضافة الى ان الحق في رد القضاة، هو على قدر من الاهمية ولا يجوز حرمان احد من اطراف النزاع منه كونه يرتبط بصورة مباشرة بحق الدفاع المقدس وكونه من المبادئ المكرسة قانونا بهدف الوصول الى اعلى قدر من الشفافية وتحقيق العدالة. واذا اردنا ان ننطلق من المبدأ الذي يسعى الى تكريسه المحقق العدلي، فاذا كان من غير الممكن تقديم طلب رده بالمقابل من غير الممكن له ان يتقدم بطلب تنحي عن النظر في القضية مهما كانت الاسباب، في هذه الحالة ما هو المخرج القانوني فيما لو كان مثلا احد المدعى عليهم تربطه بالمحقق العدلي قرابة من الدرجة الاولى لناحية عامود النسب ؟
في الخلاصة نستنتج ان قرار المحقق العدلي الذي اعتبر نفسه من خلاله معصوما عن الرد لم يأتي في مصابه الصحيح قانونا بل هو يحتمل اعادة نظر من جديد.
لناحية تمتعه بسلطة الادعاء: نصت المادة ٣٦٢ فقرة ٢ ا.م.ج. على:”يضع يده على الدعوى بصورة موضوعية. إن اظهر التحقيق وجود مسهم في الجريمة سيستجوبه بصفة مدعى عليه ولو لم يرد اسمه في عداد من ادعت عليهم النيابة العامة.”
من هنا نستنتج بأن المادة المذكورة قد منحت المحقق العدلي سلطة الادعاء ومن هنا يكون قراره قد جاء صائبا لهذه الجهة.
لناحية فاعلية الحصانات امام المجلس العدلي:
ان هذه النقطة بالتحديد تحتمل التأويل القانوني فمن جهة اولى وكما نعلم فان العديد من المدعى عليهم في انفجار المرفأ يتمتعون بحصانات كونهم نواب وموظفون، والحصانات هي من عراقيل الدعوى العامة التي تحول دون حسن سيرها، من هنا استند المحقق العدلي الى المواد ٣٥٦ و٣٦٢ ا.م.ج. ليعتبر ان الحصانات تفقد مفعولها امام المجلس العدلي بسبب ان الجرائم المحالة الى الاخير تحال بموجب مرسوم صادر عن مجلس الوزراء تبعا لنوع الجرم وليس لصفة المدعى عليهم وتبعا لكون المادة ٣٦٢ قد حررت المحقق العدلي من كل قيد اثناء السير في التحقيق.
لا بد لنا من ان نوضح هنا انه من جهة اولى احالة اية قضية الى اي مرجع بموجب مرسوم، لا يعني بدوره اسقاط صفة المدعى عليهم لهذه الناحية. ومن جهة اخرى اطلاق يد المحقق العدلي لا يعني سقوط الحصانات امامه فالمادة ٣٦٢ لم تأتي على ذكر هذا الامر صراحة.
من جهة اخرى فان المادة ٦١ فقرة ٢ من قانون الوظيفة العمومية قد نصت صراحة على حصانة الموظف ومن هنا لا يمكن ابطال مفعول هذه المادة بتغليب مادة اخرى مبهمة عليها، فالنص الصريح الخاص اولى بالتطبيق على النص المبهم العام.
والاهم من هذا كله هو ان المحقق العدلي في هذا الخصوص، قد فاتته نقطة اساسية ترتبط بهرمية التشريعات وسمو الدستور على اي شرعة اخرى قد تتعارض معه، حصانة النواب لم ينص عليها مجرد قانون عادي بل اتى على ذكرها وتكريسها الدستور نفسه في المواد ٣٩ و٤٠ ومن هنا فلا يمكن تغليب القانون على الدستور فكيف بالحري اذا كان القانون لم يأتي صراحة على ذكر نص يعارض الدستور ؟
اما من الجهة الثانية فيمكننا الاخذ برأي قانوني اخر يستند الى المادة ٣٥٦ و ٣٦٢ اصول جزائية التي منحت المحقق العدلي من جهة سلطة الادعاء ومن جهة اخرى حرصت على ان يضع يده على الملف ويسير بعمله دون اية عراقيل. من هنا يمكن الاعتبار ان النص اعتبر ان الحصانة هي من بين هذه العراقيل، اضافة الى ان اكتسابه سلطة الادعاء التي تتمتع بها النيابة العامة التمييزية تكسبه حكما معها سلطة رفع الحصانة التي تتمتع بها هذه الاخيرة والمنصوص عنها في المادة ١٣ أ.م.ج. فيقوم برفع الحصانه والادعاء فورا. الا ان هذه النقطة تحتمل النقد ايضا، لناحية سلطة رفع الحصانات، فهي ليست صلاحية مرتبطة بصلاحية الادعاء التي تتمتع بها النيابة العامة التمييزية، بل هي صلاحية مستقلة قائمة بحد ذاتها ولها هيكليتها، فسلطة رفع الحصانة يحق للنيابة العامة التمييزية تطبيقها في مطلق قضية عالقة امام مطلق مرجع بغض النظر عن نوعه ودرجته، وحتى لو كانت تمثل في الملف نيابة عامة مختلفة سواء استئنافية او غيره لذا فيمكن القول من هنا ان منح سلطة الادعاء للمحقق العدلي لا يعني منحه كامل سلطات النيابة العامة التمييزية ومن بينها رفع الحصانة او المطالع بالاساس مثلا وغيره.
ومن هنا لا يمكننا القول الا ان هذه النقطة القانونية هي سابقة من نوعها لم يمر مثلها في تاريخ القضاء اللبناني حتى يمكننا الاستناد الى الاجتهاد او ما شابه بل ان هذا الامر سيبقى متروكا اما للمجلس العدلي او للمجلس النيابي الذي يمكنه التدخل وحل المشكلة من خلال تعديل القانون وتوضيحه.
ثالثا: من قراءتنا لدراسة النائب العام التمييزي نجد انه استند الى الدراسة التي استند اليها المحقق العدلي لكي يضع يده على الملف، فنجد انه اعتبر ان المحقق العدلي قد استقى صلاحياته من الهيئات القضائية جمعاء ومن بينها النيابة العامة التمييزية واعتبر ان الاصيل اولى من الوكيل ليضع يده على الملف ويقوم باخلاء سبيل الموقوفين استنادا الى المادة ٩ فقرة ١ و٣ من العهد الدولي الخاص والذي صادق عليه لبنان.
دراسه النائب العام التمييزي تلفها التناقضات، فاولا سبق لمدعي عام التمييز ان تنحى عن النظر في الملف نظرا للقرابة بينه وبين احد المدعى عليهم، وكما نعلم جميعا، فان التنحي يرفع يد القاضي عن النظر في الدعوى ولا يحق له ان يضع يده عليها من جديد لاي سبب كان فكيف عاد ووضع يده على النزاع واتخذ قرارات باخلاء سبل الموقوفين فيه؟
من جهة اخرى استند النائب العام التمييزي في دراسته الى العهد الدولي الخاص في الفقرة ١ و٣ من مادته التاسعة التي تنص على حق الموقوف اما في المحاكمة او في الافراج عنه.
ان الاساس القانوني الذي تقوم عليه الدراسة صحيح ،
من جهة،المعاهد الدولية تسمو في التطبيق على القانون ومن جهة ثانية من حق الموقوف الا يترك منسيا في السجون دون محاكمة ولا تحقيق ولا افراج عنه، فمن خصائص العقوبة “التحديد” وفي ظل عرقلة التحقيقات حرم الموقوفون من هذه الحقوق كاملة وكان لا بد من التدخل للحؤول دون ظلمهم اكثر.
ولكن المرجع المختص لاتخاذ قرار كهذا ليس بالتأكيد النائب العام التمييزي المتنحي عن الملف، الصلاحية بالاساس للمحقق العدلي الذي يحق للنيابة العامة التمييزية ابداء رأيها امامه لناحية اخلاء سبيل الموقوفين، واذا تعذر اخلاء سبيلهم من قبل المحقق العدلي بسبب رفع يده عن الملف وارادة النيابة العامة التمييزية اتخاذ قرار كهذا نظرا لضرورته فكان يجب ان يصدر عن المحامي العام التمييزي الذي وضع يده على الملف بعد تنحي النائب العام.

ختاما، أقلّ ما يمكننا قوله انه وما بين النائب العام التمييزي والمحقق العدلي جلس القانون وحيدا يبكي في الزاوية على ضحايا ضاعت حقوقهم في وطن لم يعد من رخيص فيه سوى الانسان.

ماريا-بيا طنوس 

شاركها.

التعليقات مغلقة.