كتبت “البناء” تقول: وسط ملايين المشاركين في إحياء اليوم العالمي للقدس في عشرات العواصم ومئات المدن، تصدّر اليمنيون مشهد الحضور وزخم المشاركة والإحياء، وسجل المسجد الأقصى حضوره المميز باشتباكات المصلّين مع جيش الاحتلال، وشكلت كلمة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله القيمة السياسيّة المضافة في يوم الحدث.

السيد نصرالله قدّم تحليلاً تاريخياً لمسار المواجهة بين شعوب المنطقة وجيوشها وقواها الحيّة مع قيام الكيان الغاصب فوق أرض فلسطين منذ مطلع القرن الماضي، مشيراً إلى أن المرحلة التي يدخلها الكيان وتدخلها المواجهة معه، غير مسبوقة، وهي نتاج تراكمي لكل هذا التاريخ من المواجهة. وأنه للمرة الأولى يدخل الكيان مرحلة العدّ التنازلي الوجودي، وتوقف أمام مسار التطبيع الذي بدأ منذ بدأ الخيار التفاوضيّ، ليستخلص أن كلاً منهما قد سقط، وفشل فشلاً ذريعاً سواء في تأمين شبكة حماية للكيان أو في إحباط الفلسطينيّين ودفعهم لليأس، وبالتوازي فقد كيان الاحتلال قدرته على شنّ الحروب، سواء لهشاشة جبهته الداخلية أو لعجز جيشه عن خوض حروب خاطفة وتحقيق انتصارات، بعدما أثبتت قوى المقاومة حضورها وبدأت تحقق الانتصارات.

رسم السيد نصرالله عناصر المشهد الجديد، بفرصة توفرها الأوضاع الدولية الجديدة الناجمة عن التراجع الأميركيّ ونشوء معادلات دولية جديدة تهدد نظام القطب الأميركي الواحد انطلاقاً من حرب أوكرانيا، من جهة، ومن جهة ثانية بتراجع قدرة النظام العربي الرسمي على فرض معادلات الخنوع للكيان والتبعية لأميركا. فتوازن القوى السائد في المنطقة بات مختلاً لحساب القوى والحكومات التي تؤمن بالتحرر من الهيمنة الأميركية، ومواجهة كيان الاحتلال، رغم الضغوط والحصار والعقوبات، ومن جهة ثالثة بتغير المشهد داخل فلسطين المحتلة، حيث تتناسب حالة التراجع في قوة الكيان والتفكك في جبهته الداخلية، مع تنامي مقدرات المقاومة ونجاحها بفرض معادلات الردع، وترابط الساحات وتماسكها من غزة الى الضفة والقدس والأراضي المحتلة عام 1948، مخصصاً مساحة خاصة لأهميّة العمليات الفردية الاستشهادية في تظهير هذا المشهد الجديد.

خلص السيد نصرالله من ذلك الاستعراض لعناصر الصورة الجديدة لتأكيد معادلات الردع ورسم معادلات جديدة. فمحور المقاومة عند معادلته التي تقول بالاستعداد لحرب إقليميّة دفاعاً عن القدس، والجديد الأول كانت دعوة السيد نصرالله الحكومات والجيوش العربية، خصوصاً في مصر والأردن الى معادلة قوامها إن زوال القدس يعادل زوال “إسرائيل”، لكن الجديد الأهم فكان في ما كشفه السيد نصرالله وما دعا إليه، فكشف أن إيران وجهت بعد عمليتها الناجحة في أربيل التي استهدفت موقعاً للموساد الإسرائيلي باثني عشر صاروخاً من طراز فاتح 110، لكل دول التطبيع، مضمونه أنه ما جرى في أربيل سيجري في أية مدينة أو عاصمة تستضيف مواقع إسرائيلية تنطلق منها أعمال عدائية ضد إيران، وكشف أيضاً أن إيران تستعدّ لمرحلة جديدة في المواجهة مع “إسرائيل”، مضمونها الردّ القاسي على أي استهداف إسرائيلي لأهداف إيرانيّة، باستهداف عمق كيان الاحتلال. وبالتوازي رسم السيد نصرالله عشية المناورات الإسرائيلية المقررة في شهر أيار المقبل معادلة قوامها، أن المقاومة التي أجرت مناورات صامتة خلال الأسابيع الماضية، مستعدة وجاهزة، ولن تشغلها الانتخابات النيابية المقبلة عن التعامل بما يجب مع أية حماقة إسرائيلية تستغل المناورات للقيام بالاعتداء على المقاومة، قائلاً، هذه المرة فإن الردّ سيكون فورياً ومناسباً، ولن تحتفظ المقاومة بحق الرد في المكان والزمان المناسبين.

ورأى السيد حسن نصر الله أنه «رغم كل الحروب المفروضة وجماعات الإرهاب «الفلتانة» والظروف المعيشية الصعبة لن يستطيعوا أن يأخذوا من الدول والشعوب والقوى المقاومة كلمة والتزاماً ولن يستطيعوا أن يروا في وجوهها ضعفاً أو هواناً». وبيَّن أنَّ مسار الانهاك يحصل في اكثر من بلد في منطقتنا لكنه لم يحقق هدفه رغم الحصار والعقوبات والحروب المفروضة وجماعات الإرهاب، مؤكدًا أنَّه «لو خرجت إيران اليوم وقالت لأميركا إنها ستقبل بمسار التطبيع هل كانت لتعاني مثل هذا الحصار وهذه المؤامرات؟ طبعاً لا».

واعتبر السيد نصر الله أنَّ ما قاله السيد الخامنئي اليوم يؤكد الالتزام الجاد والقطعي بدعم فلسطين وحركات المقاومة في المنطقة، لافتًا إلى أنَّ الصمود هو الذي يبقي البيئة الحاضنة لاستمرار المقاومة لتحرير القدس. وشدَّد على أنَّه «لن ننسى ولن نيأس ولن نسقط أمام الضغوط»، مشيرًا إلى أنَّ هذه المسارات سقطت بسبب العمل المتواصل منذ ما قبل 1948 الى اليوم، مؤكدًا أنَّ «مسألة فلسطين هي جزء من ديننا وإيماننا وكرامتنا ونحن أمة لا يمكن أن تتخلى عن إيمانها وعقيدتها وكرامتها».

ولفت إلى أنَّه «يأتي يوم القدس ونحن في موقع استراتيجي متقدم جداً، حيث تطورت مسارات من جهتنا يخشاها العدو ويعمل على تفكيكها، ونحن في المقابل يجب ان نعمل على تثبيتها»، مؤكدًا أنَّ المسار الاول هو مسار العمليات الجهادية في داخل 48 وفي داخل الضفة وخصوصاً في الأسابيع الماضية الأخيرة، وبالأخص العمليات المنفردة التي شكّلت تطورًا نوعيًا جداً وأكثر ما يخشاها العدو وتهزّ الكيان».

كما أشار السيد نصر الله إلى أنَّه برر المسؤولون في الكيان فشلهم بأن شخصًا فلسطينيًا وحده عندما يأخذ القرار ويخطط ويستطلع ويؤمن السلاح بأن هذا الأمر لا يمكن ان تكتشفه الاجهزة الامنية، مبينًا أنَّ العمليات المنفردة الأخيرة أدت الى كشف عجز الكيان والأمن الضعيف لديه وهزت بقوة ثقة الإسرائيليين بجيشهم وحكومتهم. وأضاف: «هذه العمليات تعزز القلق الوجودي لدى الكيان ودفعت بكيان العدو الى الانكفاء والاختباء خلف الجدر والأسوار»، وسأل «الكيان الذي يختبئ خلف المزيد من الجدر والأسوار فماذا يمكن أن يكون مستقبله؟».

وأعاد السيد نصر الله تأكيد المعادلة الإقليمية حول القدس، داعيًا دول المنطقة الى توجيه رسالة بأن زوال القدس والمقدسات يعني زوال «إسرائيل»، مبينًا أنَّ هذه المسارات الثلاثة يجب تدعيمها وتمثل الأمل بالنسبة لنا.

وشدَّد على أنَّ موقف إيران الميداني والعسكري يتطور الى حد انها قد تقدم في حال استمرار العدوان على الوجودات الإيرانية في المنطقة قد تقدم على ضرب إسرائيل مباشرة، لافتًا إلى أنَّ الهزيمة الاميركية في أفغانستان أقلقت الكيان الإسرائيلي والحرب والروسية الأوكرانية أيضاً تقلق الكيان.

وكشف أنَّه خلال الاسابيع الماضية خلال التجهيز للانتخابات كانت تشكيلات حزب الله الجهادية تقوم بمناورات صامتة، متوعدًا العدو الإسرائيلي من أنَّ أيّ خطأ يقدم عليه سيكون الردّ عليه سريعاً ومباشرة ولن يسمعوا بالاحتفاظ بحق الردّ في الزمان المناسب والمكان المناسب.

وأكَّد أنَّ “الانتخابات في لبنان لن تشغلنا من الرد على أي عدوان إسرائيلي”، وأردف قائلًا: “إن شاء الله سنصلي في القدس إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً جداً جداً”.

ولفت خبراء عسكريون واستراتيجيون لـ”البناء” الى أن خطاب السيد نصرالله رسم معادلات عسكرية وسياسية واستراتيجية جديدة في لبنان والمنطقة، لا سيما لجهة مصير القدس ومستقبل القضية الفلسطينية، ستفرض على الكيان الإسرائيلي وقائع وظروفاً جديدة تضعه مهدّداً في وجوده ومستقبله في مقابل عودة القضية الفلسطينية الى حضورها وقوتها انطلاقاً من المقاومة الفلسطينية وصمود الشعب الفلسطيني وعملياته اليومية ضد الاحتلال”. وأوضح الخبراء أن “حديث السيد نصرالله عن مغامرة إسرائيلية خلال المناورات قد يكون نابعاً من معلومات استخبارية لدى المقاومة بحركة عسكرية واستعدادات ميدانية إسرائيلية في الجبهة الشمالية، لذلك وجّه رسائل الى “إسرائيل” تحمل تهديدات بأن المقاومة سترد على أي عدوان مهما كانت الظروف الداخلية والإقليمية، ما سيفرض على العدو اعادة حساباته والتفكير ألف مرة قبل الإقدام على أية حماقة”. وتوقف الخبراء أمام كلام نصرالله عن السرعة في رد المقاومة، ما يعكس أمرين: تغير معادلات وتوازن القوى في الداخل الإسرائيلي لصالح المقاومة وفي المنطقة لصالح المحور الإيراني – السوري وحركات المقاومة، والثاني أن لدى المقاومة مقومات استخباريّة يمكنها من كشف ما يحضر له العدو، ومقدرات وإمكانات عسكرية وتسليحية جديدة يمكنها من الرد بشكل سرع”.

في غضون ذلك، تستكمل الحكومة استعداداتها لإجراء الاستحقاق الانتخابيّ على الصعد الإدارية والتقنية واللوجستية والمالية وكذلك الأمنية.

وفي ظل الأجواء الأمنية المقلقة على مصير الانتخابات بعد سلسلة الأحداث التي شهدتها طرابلس وعدد من المناطق، عقد المجلس الأعلى للدفاع اجتماعاً أمس، بدعوة من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، في حضور رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي.

وبحث في التحضيرات الأمنية للانتخابات النيابية ومواضيع أمنية أخرى منها ملف النازحين السوريين. وشدّد رئيس الجمهورية في مستهلّ الاجتماع على “التنسيق الأمني والإداري لإنجاز الانتخابات النيابية من دون أي إشكال”. ودعا إلى “اعتماد قواعد لسلوك التغطية الإعلامية للانتخابات، والتعاون مع المراقبين الأجانب وهيئة الإشراف على الانتخابات”.

من جهته، أكد ميقاتي “أهمية المحافظة على هيبة الدولة وكرامة المؤسسات الأمنية لضمان حماية المواطنين”، وقال “نحن مع حقوق الإنسان وحرية الرأي، لكن دون أي تجاوز يؤثر سلباً. يجب أن نحصّن أنفسنا لحماية الدولة ومنع أخذ البلد الى الهاوية”.

وفي نهاية الاجتماع تلا اللواء الركن محمد المصطفى مقررات المجلس:

–  الطلب إلى كافة الإدارات التحضير للانتخابات وتنسيق الجهود لإنجاح هذا الاستحقاق وتكثيف الاجتماعات بين الأجهزة الأمنية وتشكيل غرفة عمليات لمواكبة سير الانتخابات.

–  التأكيد على دور هيئة الإشراف على الانتخابات لتنفيذ مهامها المحدّدة في قانون الانتخابات.

بعد الاجتماع، أعلن وزير الخارجية عبدالله بو حبيب على “أننا بحاجة لـ”كاش” للدفع للموظفين في الانتخابات ووزير المالية قال إنه سيؤمن المبلغ”، مضيفاً “أوعزت للسفراء والقناصل في الخارج بأن يسهلوا عمل الإعلاميين والإدلاء بالتصريحات والمقابلات بعيداً من السياسة”. من جهته، قال وزير المال يوسف خليل “نسعى إلى تأمين مبلغ ٣٨٠ ملياراً قبل ١٥ أيار من ضمنها الموظفون الذين سيشاركون في إدارة العملية الانتخابية”.

 وسبق اجتماع المجلس لقاء بين الرئيسين عون وميقاتي بحث في المستجدات.

وفي السياق، أعلن وزير الطاقة وليد فياض أن وزير الداخلية بسام مولوي ومؤسسة كهرباء لبنان متفقان على تغذية مراكز لجان القيد الـ٢٦ الصغرى والكبرى بـ١٤ ساعة يومياً من ٥ أيار الى ١٦ أيار والتقنين بالمراكز الـ٢٦ لا يتخطى الـ٦ ساعات متتالية وتأمين باقي الساعات من المولدات.

ولفتت مصادر مطلعة لـ”البناء” أن الاتجاه الرسميّ حسم بإجراء الانتخابات النيابية في موعدها وتم الاتفاق على إزالة أي عائق يحول دون ذلك وتأمين كل متطلبات العملية الانتخابية من أموال وكهرباء وأمن في لبنان والخارج. ولفتت المصادر الى أن الاستحقاق الانتخابي سيحصل انطلاقاً من قرار داخلي وخارجي فرنسي – أوروبي تحديداً، إلا إذا حصلت تطورات أمنية غير محسوبة في الشارع نتيجة الأزمات المعيشية أو حدث أمني تفجير إرهابي في مكان عام أو اغتيال أو اشعال الجبهة الجنوبية، تفرض تأجيل الانتخابات وحينها يكون هناك قرار دولي أميركي – سعودي مستجد بالإطاحة بالانتخابات وإدخال لبنان في آتون الفوضى. إلا أن المصادر رجحت تمرير الانتخابات بالحد الأدنى من الاستقرار على أن تطرح سلة الاستحقاقات المقبلة على بساط البحث في أجواء من التوتر والاحتقان والصراع وشد الحبال السياسي الداخلي – الخارجي.

شاركها.

التعليقات مغلقة.